17 - 07 - 2024

مؤشرات | مقابر مصر.. تدمير بفعل فاعل أم خطأ في التخطيط

مؤشرات | مقابر مصر..  تدمير بفعل فاعل أم خطأ في التخطيط

مؤكد أن أحدًا لا يعرف نهاية لهذه المجزرة لتاريخ مصر المُتمثلة في هدم مقابرها القديمة، والتي قد يبدو أنها متعمدة وبخطة تم إعدادها دون أي حوار أو نقاش بشأن مخاطرها، ليس بهدف تشييد كباري وطرق، وربما يكون مشروعا آخر غير ذلك.

فلا يمر شهر إلا وتتجدد أزمة المقابر، وترتفع حدة الاعتراضات على إزالة مقابر تحكي تاريخ مصر على مدى أكثر من 1200 عاما، وربما يزيد، خصوصا عندما نكتشف حالات تدمير لمقابر رموز مصر في الأدب والفن والتاريخ والسياسة وفي الفقه، وغير ذلك.

التدمير والإزالة لم تستثن أحدًا، فبخلاف المشاهير هناك مئات المقابر، لعائلات من كل فئات المجتمع المصري قد أزيلت وتم تدميرها، ومقابر لروابط المغتربين من أبناء محافظات مصر من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.

توفي صديق في الشهور الأخيرة، وعندما تم ترتيب مراسم الدفن في مقابر العائلة في الخليفة، وقبل المراسم توجه أحد أفراد أسرته إلى المقبرة للترتيب مع "التربي"، ليفاجأ بأن المقبرة تحت جدول الإزالة، والعديد من المقابر حولها قد محيت من على الأرض، وتبين صدور تعليمات بعدم دفن أية جثامين في مقابر تلك المنطقة، تمهيدًا لإزلتها بدعوى المنفعة العامة، وأن هناك مقابر بديلة في طريق السويس، ولم يكن هناك حل سوى الدفن في مدفن آخر على طريق القاهرة – العين السخنة.

في ظل الإعتراضات المتكررة من الشارع المصري، وبين المثقفين والساسة والبرلمانيين ومختلف الفئات، رفعت الحكومة شعار "طنش تعيش" و"ودن من طين وودن من عجين"، لتستمر في خطط التدمير والإزالة، لتفاجئ الناس يوميًا بعمليات إزالة لمدافن تاريخية، بحجة أنها غير مسجلة ضمن قوائم التراث المصري، رغم أن عدم التسجيل هو إهمال بفعل فاعل وجريمة مكتملة الأركان، لتأتي جريمة أخرى إسمها (الإزالة للمنفعة العامة).

من بين المفاجآت خلال قيام فريق من المهتمين بالتراث عكف على تصوير مقابر مصر، ليبقي شئ يسجل جزءا مهما من تاريخ البلد، قبل أن تأكله بلدوزرات الهدم والتدمير، تم إكتشاف شاهد قبر يبلغ عمره نحو 1200 عام، لا تعلم عنه وزارة الآثار ولا محافظة القاهرة ولا أية جهة أخرى عنه شيئا، وما كان من الفريق سوى تسليمه للسلطات، وربما لا أحد يعرف مصيره حاليًا.

لابد من توضيح حقيقي ومقنع بشأن الهدف الخفي من الإزالة لمقابر مصر في القاهرة التاريخية، والرد عما يتردد على مواقع التواصل الإجتماعي وفي جلسات الناس، وفي الغرف المغلقة بأن هناك بائع ومشتري لأراضي المقابر لمشروعات عقارية، أو ترفيهية، وغير ذلك.. فما دقة ذلك؟.. الإجابة  ستحدد كثيرا من الأمور.. لأن هذا من شأنه أن يغلق الباب حول ما يقال بشأن مشروعات استغلال المباني والأراضي الحكومية وأملاك الدولة وما يدخل في نطاقها.

وهناك نقطة مهمة جدا تتعلق بضرورة مشاركة مفكرين ومثقفين ومؤرخين وأثريين وأدباء ومن على شاكلتهم في مناقشة أي مشروعات تأتي على حساب تاريخ مصر وإرثها الحضاري من كافة العصور، خصوصا أن هناك من يرى أن التخطيط لأي مشروعات والقائمين على ذلك غالبا يجهلون قيمة ما يهدمون من تاريخ القاهرة بعصور مصر المختلفة.

وفي بيان مهم لحملة توقيعات رافضة لما يحدث بالمناطق الأثرية بمدينة القاهرة وجباناتها التي تحمل تراثها وتاريخها وحضارتها، تمت مخاطبة رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل الفوري لوقف ما يحدث في هذه المناطق، ومحاسبة المسؤولين عن العبث بمدافن كبار الفنانين والشعراء والمقرئين والمفكرين والعلماء والمتصوفة وبمبان أثرية ومآذن تقع في دائرة التراث، وضرورة وجود بديل لعمليات الهدم والتدمير.

وطالب البيان بتوضيح لخطة التعامل مع هذه المباني والأماكن والجبانات، وتغيير الخطط التي تتعرض إلى تاريخ مصر العظيم، وإدخال هذه الأماكن في خطة شاملة للترميم والصون لتصبح مزارات تدرُّ دخلاً للبلاد.

ومن المهم أن تضع لجنة الثقافة ضمن "الحوار الوطني" ، الذي لا نعرف ما إذا كان انتهى أم لا يزال مستمرا، هذا الأمر على رأس الموضوعات التي يجب أن يخلص الحوار من خلال حلول ناجعة، بخلاف ما يطالب به البيان بدور مفترض من وزارتي الثقافة والسياحة والآثار ومحافظة القاهرة. و"لجنة الثقافة والإعلام" بالبرلمان ومجلس الشيوخ  بالكشف عن حقيقة ما يجري، ووضع حلول واضحة لحماية تاريخ وطن، في عالم به دول تصنع لنفسها تاريخا من فراغ، بينما نحن في مصر ندمر تاريخا وتراثا عريقا موجودا بالفعل، .. وبفعل فاعل.
---------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | أفسحوا المجال للإبداع والإبتكار عربيًا